"لديّ صفحة فيسبوك – لستُ بحاجة إلى موقع للمصلحة التجاريّة".
لو كان بإمكاني الحصول على شيكل واحد في كلّ مرّة سمعت فيها هذا الادّعاء، كنت سأخرج للتقاعد في سنّ الـ 30.
هل بإمكان صفحة الفيسبوك التي يمكن إنشاؤها مجانًا أن تحلّ مكان موقع الإنترنت المهني؟ هل التكلفة المجانيّة لإنشاء حساب على الشبكة الاجتماعيّة ستكلّفنا الكثير فيما بعد؟ ربّما يكون ذلك صحيحًا، لكن لبعض المصالح التجاريّة فقط؟
دعونا نناقش معًا بعض النقاط الأساسيّة، والتي ستوضّح لكم الكثير في هذا الموضوع –
ملكيّة الأصل الرقمي
موقع الإنترنت، من اللحظة التي يصبح فيها بملكيّتكم، يصبح ملعبكم الخاص.
طالما أنّكم تدفعون مقابل الدومين (اسم المجال) ومقابل التخزين (بدءًا من بضع عشرات الشواقل شهريًا أو أكثر)، يصبح الموقع لكم، وبإمكانكم أن تفعلوا به تقريبًا ما يحلو لكم: يمكن استبدال التصميم، تغيير النصوص، إضافة إعلانات أو برامج شريكة كمصدر دخل، وغيرها.
الشبكة الاجتماعيّة من ناحية أخرى، ليست بملكيّتكم بأيّ شكل من الأشكال. بغضّ النظر عن أيّ شبكة نتحدّث – فيسبوك، إنستغرام، تويتر وغيرها – أنتم مجرّد ضيوف في بيت شخص آخر. برغم أنّه بإمكانكم إضافة نصوص، صور وفيديوهات – ممّا يمنحكم الشعور وكأنّكم أنتم أصحاب المكان – إلّا أنّكم عمليًا مصدر دخل لهذه الشبكة الاجتماعيّة (كما تقول الجملة الشهيرة: إذا كانت الخدمة مجانيّة، فأنتم المنتَج).
أفضل مثال على أنّكم مجّرد ضيوف في الشبكات الاجتماعيّة، هو على مستوى الدومين. في موقع الإنترنت الخاصّ بكم، تقومون بتسجيل دومين مستقلّ بملكيّتكم فقط (برغم أنّه "مرتبط" بمزوّد دومينات، بالإضافة إلى مزوّد خدمات تخرين). في الشبكات الاجتماعيّة بالمقابل، تحصلون على شريحة تخرين داخل دومين قائم ليس لكم.
على سبيل المثال – الدومين isoc.org.il التابع لاتّحاد الإنترنت الإسرائيلي هو دومين مستقلّ. لكن عندما يدور الحديث عن شبكة اجتماعيّة مثل فيسبوك، إنستغرام أو تويتر، أنتم تحصلون فقط على "غرفة للإيجار" داخل الدومين – مثل facebook.com/isoc.org.il أو twitter.com/isocil مثلًا.
من يحدّد قواعد اللعبة هنا
خلال السنة الماضية، قامت الشبكات الاجتماعيّة بحظر حسابات رئيس الولايات المتّحدة الأسبق، دونالد ترامب؛ وذلك بعد أن استخدمها لنشر رسائل ومضامين لا تتماشَ مع التعليمات. هناك أمور شبيهة تحدث أيضًا عبر شبكة الإنترنت الإسرائيليّة، إذ أنّ شبكة فيسبوك (بالأساس) تسمح لنفسها بحظر حساب كلّ مستخدم لا يتقيّد بالتعليمات (على سبيل المثال، تمّ حظر صفحة "סטטוסים מצייצים" قبل بضع سنوات بسبب بيع مضامين مقابل المال).
لكن من يحدّد هذه التعليمات عمليًا؟ الشبكات الاجتماعيّة نفسها، طبعًا. بما أنّ الحديث يدور عن منظّمات ضخمة بملكيّة خاصّة (برغم أنّ جزءًا منها متداوَل في البورصة ويتواجد أيضًا بملكيّة الجمهور)، تقوم كلّ شبكة اجتماعيّة بتحديد القواعد والتعليمات لنفسها. في فيسبوك على سبيل المثال، هناك الكثير من حالات حظر الحسابات، بعضها واضح وبعضها أكثر غموضًا، والتي قد تؤدّي إلى حضر صفحتكم/بروفيلكم لفترة معيّنة، أو إغلاقه كليًا.
هذا الموضوع إشكالي جدًا، لأنّه يتعامل مع نقاط حسّاسة في المجتمع الإنساني. ما المسموح وما الممنوع قوله؟ لماذا تقوم شبكة فيسبوك بحظر مضامين إشكاليّة معيّنة، بينما لا تحظر مضامين إشكاليّة أخرى؟ هل يجب ان تكون هناك رقابة من طرف الدول على الشبكات الاجتماعيّة؟ سيتّضح كلّ ذلك في السنوات القريبة المقبلة.
قد يتمّ إغلاق حساب الفيسبوك الخاص بكم مؤقّتًا أو بشكل دائم بسبب نشر مضمون معيّن. في موقع الإنترنت الخاص بكم، لن يحدث ذلك أبدًا (إلّا إذا كنتم تستخدمونه لغرض خرق ومخالفة قوانين الدولة التي تتواجدون فيها، مثل تجارة المخدّرات ونشر المضامين الإشكاليّة)
خلاصة الأمر – موقع الإنترنت هو بملكيّتكم الكاملة، مقارنةً الشبكة الاجتماعيّة، حيث أنتم مجرّد ضيوف فيها. هذا الفرق هو الذي يحدّد ما بمقدوركم أن تفعلوه، وما هو ليس بمقدوركم. في حين أنّ موقع الإنترنت الخاص بكم لا يفرض عليكم أيّ تقييد طالما أنّكم مستمرّون في الدفع مقابل الدومين والتخزين – إلّا أنّ الأمر ليس كذلك على الشبكات الاجتماعيّة.
الانتشار، التسويق والإعلان
لكلّ نوع من الأصول الرقميّة التي تحدّثنا عنها هنا – موقع الإنترنت والشبكات الاجتماعيّة – توجد حسنات وسيّئات.
في حين أنّ الموقع هو مصدر مستقلّ وحرّ للنشاط التجاري والتسويقي على مختلف أنواعه، إلّا أنّ الشبكات الاجتماعيّة بالمقابل هي بمثابة فقاعات مغلقة تفرض عليكم الكثير من الممنوعات والتعليمات.
من ناحية أخرى، لا يمكن التشكيك في أهميّة الشبكات الاجتماعيّة ومساهمتها في النشاط التجاري والتسويقي. الاستراتيجيّة التسويقيّة الذكيّة تُطبَّق في الأماكن التي يتواجد فيها جمهور الهدف الخاصّ بالمصلحة، وبما أنّ الكثيرين من جماهير الهدف يتواجدون على الشبكات الاجتماعيّة – من غير المفضّل تجاهُل ذلك.
لا شكّ أنّ الموقع والشبكات الاجتماعيّة يمكن أن تكون مصدرًا لحركة المتصفّحين والزبائن؛ لكن في كلّ ما يتعلّق بهذا الموضوع – موقع الإنترنت هو الأفضل دائمًا تقريبًا. بعد أكثر من 12 عامًا على دراسة واختبار مصادر الحركة في عشرات المواقع، يمكنني القول إنّه في غالبيّة الحالات، الشبكات الاجتماعيّة لا تشكّل عاملًا جوهريًا في كلّ ما يتعلّق بحركة المتصفّحين.
إليكم مثالًا عن موقع يحظى بما يقارب 15,000 دخول بالمعدّل في الشهر، في السنة الأخيرة (لقطة شاشة من جوجل أناليتكس). تقسيم مصادر الحركة يبيّن لنا بالضبط من أين يأتي معظم الدخول (عمود Sessions) – نتائج البحث العضوي تشكّل %60 من الدخول، الحملات المموَّلة عبر جوجل تشكّل معًا %17 والشبكات الاجتماعيّة بالكاد تشكّل %3 (لوجه الدقّة، 428 دخول شهري في السنة الأخيرة، بالمعدّل).
هنا، يجب ان نتوقّف وأن نقول إنّ الشبكات الاجتماعيّة يمكن أن تكون مصدرًا ممتازًا للترافيك الوارد للمصلحة التجاريّة، لكنّ ذلك يتعلّق بالأساس بنجاعة الحملات المموَّلة. كما أشرت سابقًا – فيسبوك (وهي أكبر الشبكات الاجتماعيّة اليوم في العالم) قلّصت الانتشار العضوي، إلى درجة أنّه لم تعد فيها جدوى من الناحية التجاريّة. للحصول من الشبكات الاجتماعيّة على نفس عدد الدخول / الزبائن الاحتماليّين / المبيعات العضويّة من محرّكات البحث، عليكم الدفع بشكل سخي.
تحدّثنا كثيرًا عن تقليص الانتشار العضوي على فيسبوك؛ وهذا عمل مقصود من طرف الشبكة الاجتماعيّة لإجبار المزيد من الأشخاص على الدفع مقابل الانتشار. في السابق، إذا كان البوست الخاص بكم يصل إلى عشرات آلاف الأشخاص بطبيعة الحال، فاليوم بات هذا الأمر نادرًا، ويحتاج إلى مضامين نوعيّة للغاية وإلى تخطيط وجهود كبيرة. بالنسبة للمصالح التجاريّة التي تحتاج إلى الانتشار، هذا الأمر يحتّم عليها إنفاق مبالغ كبيرة لتحقيق هدفها.
على سبيل المثال، في صفحة فيسبوك، لا يُسمَح لكم لنشر إعلانات وبرامج شركاء – لأنّ فيسبوك لا تسمح بجني الأرباح على حسابها. إذا أردتم جني الأرباح عبر فيسبوك، قوموا بذلك عن طريق حساب إعلان يعود بالأرباح على الشركة مع كلّ كبسة زر، انتشار وتفاعل. صفحة "סטטוסים מצייצים" حاولت تخطّي هذه القاعدة، وقامت ببيع بوستات ومضامين بآلاف الشواقل، وأغلِقت من قِبل فيسبوك بشكل أحادي الجانب في يناير 2015. وفقط في ديسمبر 2017، أصدرت محمة في إسرائيل قرارًا بعودة الصفحة لنشاطها.
باختصار – عندما يكون الموقع لكم وبملكيّتكم، يمكن القول إنّ إمكانيّات التسويق والإعلان فيه غير محدودة. بإمكانكم نشر إعلانات وبرامج شركاء، ممّا يعود عليكم بالأرباح؛ يمكنكم استخدام الموقع للإعلان المموَّل على أنواعه (جوجل، فيسبوك، تابولا، آوتبرين)؛ بإمكانكم القيام بإعادة التسويق (ريماركيتينغ)، الترويج العضوي في محرّكات البحث، إدخال كود وتقنيّات مختلفة وما إلى ذلك.
بالمقابل – في الشبكات الاجتماعيّة، كلّ هذه الإمكانيّات محدودة جدًا أو غير أنّها غير متوفّرة. هذا لا يعني أنّه ليس بإمكانكم إعلان وتسويق صفحة فيسبوك أو إنستغرام الخاصّة بكم؛ لكنّه يعني أنّ الإمكانيّات المتوفّرة لديكم محدودة جدًا مقارنةً بما يمكن تحقيقه عبر موقعكم. عمليّات التسويق عبر شبكات اجتماعيّة معيّنة مقيّدة بشكل عام لنفس الشبكة الاجتماعيّة – وذلك بواسطة الإعلان مقابل دفع. صحيح أنّ فيسبوك وبقيّة الشبكات الاجتماعيّة تتيح المجال للإعلان المموَّل، إعادة التسويق وإنشاء وتقسيم جماهير الهدف – لكن من يريد أن يبحث بشكل عام عن مصلحتكم التجارية، لن يفعل ذلك عبر فيسبوك (اقرؤوا المزيد عن ذلك لاحقًا).
مسألة المصداقيّة
موقع الإنترنت يعكس مصداقيّة وثبات المصلحة التجاريّة، الشركة أو المنظّمة. أكثر من %80 من المستهلكين الذين يبحثون عن مصلحة تجاريّة أو شركة، يتوقّعون إيجاد موقع إنترنت أيضًا، وليس شبكات اجتماعيّة فقط. فكم بالحري عندما يدور الحديث عن مصلحة تجاريّة / شركة تزوّد المنتجات! وذلك لأنّ الغالبيّة الساحقة من المشتريات الإلكترونيّة تتمّ عبر مواقع الإنترنت وليس عبر الشبكات الاجتماعيّة.
معظم الأشخاص يدخلون إلى الشبكات الاجتماعيّة بالأساس للمتعة والترفيه، وليس لأغراض تجاريّة. لا يبحثون بشكل عام عن مصالح تجاريّة، خدمات أو منتجات (برغم أنّ هناك شواذ)، بل يبحثون عن استهلاك المضامين. بالمقابل، المواقع معدّة للكثير من الأغراض والاحتياجات التجاريّة والتسويقيّة، وفي نهاية الأمر هي التي تحرّك مجال التجارة الإلكترونيّة اليوم. عندما ندخل إلى موقع تجاري، نقوم بذلك بشكل عام لغرض يتماشى مع احتياجات المصلحة أو المنظّمة.
فكّروا بمثال بسيط من حياتكم اليوميّة. عندما تريدون طلب بيتسا أو شراء هاتف ذكي، إلى أين تتوجّهون؟ على الأرجح أنّكم لن تدخلوا إلى صفحة الفيسبوك الخاصّة بمحلّ البيتسا، بل ستبحثون عن موقعه الإلكتروني ومن هناك تتابعون للشراء عبر الموقع. عندما تريدون شراء هاتف ذكي، لن تبحثوا عنه في صفحة تويتر الخاصّة بأمازون أو إيباي – بل يتقومون بذلك مباشرةً عبر المواقع الرئيسيّة لهذه الشركات.
الشبكات الاجتماعيّة هي وسيلة ممتازة لإعلان وتسويق المنتجات، لكنّ عمليّة الشراء نفسها تتمّ دائمًا تقريبًا خارج إطار الشبكات الاجتماعيّة – عبر مواقع خارجيّة. تجدر الإشارة إلى أنّ فيسبوك قامت مؤخّرًا بخطوة مهمّة في هذا المجال، ويمكن اليوم شراء المنتجات مباشرةً عبر فيسبوك شوبس / إنستغرام شوبس.
طويل جدًا، لم أقرأه
علينا أن نفهم أنّ المصلحة التجاريّة التي لا تلمك موقعًا بتاتًا – أيّ أنّها تعتمد فقط على الشبكات الاجتماعيّة – تضرّ بنفسها على مختلف الجوانب التي تطرّقنا إليها هنا. موقع الإنترنت هو بيتكم وبيت مصلحتكم أو شركتكم؛ فلا تتنازلوا عنه مقابل الضيافة مجانًا في "بيوت الآخرين". في موقعكم الخاص، ستتمتّعون بمستوى كبير من الحريّة مقارنةً بالشبكات الاجتماعيّة على أنواعها.
خلاصة الأمر – استخدموا كلّ هذه الوسائل والأدوات بحكمة وذكاء، قدر ما تتيح لكم ميزانيّتكم، لكي تجنوا أكبر جدوى ممكنة للمصلحة التجاريّة، الشركة أو المنظّمة. يمكن تشبيه موقع الإنترنت بالجسم، والشبكات الاجتماعيّة بالأعضاء، التي تتيح المجال للتفاعل الفوري مع الزبائن وجماهير الهدف.