يعرض هذا البحث معطيات من استطلاع يعتبر الأول من نوعه، الذي اختبر المجتمع العربي في إسرائيل بكل ما يتعلق في استخدام شبكة الإنترنت والحاسوب على مستويات مختلفة. من خلال هذه المعطيات، هدف هذا البحث إلى استخلاص استنتاجات حول المستويات المختلفة للفجوة الرقمية التي تؤثر على المواطنين العرب في إسرائيل، ووصف عواقب هذه الفجوة على حياتهم والثمن المحتمل الذي يدفعونه جراء ذلك.
المجتمع العربي، وهو أكبر أقلية في البلاد، والذي يشكل حوالي %21 من السكان (הלשכה המרכזית לסטטיסטיקה, 2023ב)، يتواجد في وضع خاص. على الرغم من أن المواطنين العرب يحق لهم وفقًا للقانون مساواة في الحقوق من مؤسسات الدولة، إلا أنهم يواجهون عدم المساواة في العديد من المجالات نظرًا للوضع السياسي، الاجتماعي الذي تشهده إسرائيل (פרח, 2020; Sultany, 2012). لا أحد ينكر أن الدولة عملت في السنوات الأخيرة على الحد من عدم المساواة بأبعادها المختلفة (على سبيل المثال، في قرارات الحكومة رقم 922 و550)، بل وخصصت ميزانيات كبيرة لتحقيق هذه الغاية، ولكن لا تزال هناك فجوات كبيرة بين المجتمع العربي ومجتمع الأغلبية (المجتمع اليهودي).
الفجوات بين المجتمع اليهودي في إسرائيل والمجتمع العربي كثيرة، وهي لا تقتصر فقط على المجالات التي يتطرّق إليها التقرير. ومن بين أمور أخرى، هناك فجوات اجتماعية-اقتصادية كبيرة بين المجتمعين، حيث تقع معظم البلدات العربية في ثلاثة العناقيد الاجتماعية-الاقتصادية الأدنى بحسب تصنيف دائرة الإحصاء المركزية، مقارنةً بـ %9 فقط من البلدات اليهودية (אילן, 2022). تؤكد التفاصيل الديموغرافية التي تظهر في التقرير المعطيات التالية: صرّح معظم المجيبين في الاستطلاع أنهم يتقاضون أجرًا يقل عن متوسط الأجر في السوق الإسرائيلي (حتى موعد إجراء الاستطلاع).
هناك أيضًا فجوات في مستويات الدراسة: المستوى الدراسي وعدد سنوات التعليم في المجتمع العربي منخفض مقارنةً بالمجتمع اليهودي ، وهناك فجوات بين نسبة خريجي المدارس الثانوية ونسبة الحاصلين على شهادات أكاديمية في المجموعتين (הלשכה המרכזית לסטטיסטיקה, 2023ב). ويظهر هذا المعطى أيضًا في نتائج الاستطلاع: فقد صرح معظم المجيبين أنهم أنهوا تعليمهم الثانوي أو أقل منه.
هذه نتائج مهمة جدًا. في قرار الحكومة رقم 550، الذي يتناول مخططات لتطوير المجتمع العربي، تم التأكيد على العلاقة بين مستويات الدخل والدراسة وبين تطوير المجتمع: كلما ارتفع المستوى الدراسي في المجتمع، كلما ارتفعت نسبة التوظيف فيه. كما أظهر القرار وجود علاقة عكسية بين سنوات التعليم والبطالة: مع ازدياد عدد سنوات التعليم، تنخفض نسبة البطالة ويزداد معدل الأجر.
في العقود الأخيرة، وخاصة منذ جائحة كورونا، أصبحت وسائل الإعلام الرقمية محورية في حياة المواطنين في الدول المتقدمة. وظائف عديدة تتطلّب مهارات رقمية عالية، كما أصبحت إمكانية التعلم والتطور المهني عبر الإنترنت متاحة ومتوفرة بشكل أكبر. بسبب الفجوات التي وردت في هذا التقرير، يواجه العديد من المواطنين العرب صعوبة في الالتحاق بمثل هذه الوظائف أو خيارات التعلّم الجديدة. لا شك بان هذه الصعوبة ستحدّ من قدرة العديد منهم على الاندماج على النحو الأمثل في المجتمع الإسرائيلي إن كان اليوم أو في المستقبل. إضافًة لذلك، فإن لها عواقب اقتصادية على المجتمع الإسرائيلي بأكمله، إذ أن الإخفاق في دمج المجتمع العربي بنجاح في سوق العمل سيوسع الفجوة بينه وبين المجتمع اليهودي ويترك العديد من العائلات في المجتمع العربي في حالة من الفقر.
الفجوة الرقمية – عدم المساواة بين الأفراد والجماعات على أساس إتاحة التكنولوجيا، القدرة على استخدامها والمواقف تجاهها (Hilbert, 2020) – التي يتطرق إليها هذا التقرير، تميز الأقليات في جميع أنحاء العالم، ولا تقتصر على المجتمع العربي في إسرائيل (תחאוכו ואח', 2021). مع ذلك، الوضع الخاص لهذه الفئة السكانية يؤكد أكثر على حقيقة أن الفجوة تتمثل في "عدم المساواة المتعددة" (Castells, 2002)، والتي تتأثر بالعديد من الجوانب الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية في حياة المواطنين العرب وتؤثر عليهم.
كما أن النتائج في ضوء النموذج النظري لـ فان ديك (van Dijk, 2005) توضح أن الفجوة الرقمية التي تظهر من التقرير على جميع المستويات تحد من الإمكانيات والفوائد التي يمكن لمستخدمي الشبكات العرب أن يستمدوها من التكنولوجيا، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة الموجودة في رأس المال البشري، الاجتماعي والاقتصادي بين هذا المجتمع ومجتمع الاغلبية اليهودي. وذلك لأن الفجوات الرقمية تتأثر وتؤثر على المستوى الدراسي للمستخدم ومستوى دخله. إنها تحد من قدرة الفرد على التقدم والتطور مهنيًا وأكاديميًا، وبالتالي يتم استنساخ فجوات اجتماعية-اقتصادية قائمة(Chinn & Fairlie, 2007; van Dijk, 2005).
إذا كان الأمر كذلك، فإن اختبار عدم المساواة الرقمية في المجتمع العربي في إسرائيل يلقي الضوء على وضع هذه الفئة السكانية في عام 2023، وعلى قدرة أبنائها على الاندماج الأمثل في المجتمع الإسرائيلي العام والمساهمة فيه.
قبل كل شيء، تعكس المعطيات التجربة الحياتية للمواطنين العرب في إسرائيل في عام 2023، وتكشف عن واقع تكون فيه فرص الحراك الاجتماعي والاجتماعي-الاقتصادي محدودة أكثر من تلك التي يتمتع بها المواطنون في المجتمع اليهودي. يواجه الطلبة العرب أو الباحثون عن عمل مرارًا وتكرارًا تقييدات وصعوبات لا يواجهها المواطن اليهودي عادةً، والتي تتأثر أيضًا بمستوى البُنى التحتية والمهارات الرقمية لديهم. تنعكس هذه المشكلات أيضًا في الصفحات المتوفرة باللغة العربية في مختلف المواقع الحكومية، والتي لا تتجاوز نسبتها -وفقًا لمؤشر اتّحاد الإنترنت- %10 فقط من مجمل الصفحات (אסעד־ניקולא, 2023). تشير هذه القيود إلى الصعوبة التي يواجهها مستخدمو الشبكة العرب للحصول على معلومات حكومية أساسية وتحصيل حقوقهم المدنية على أتم وجه.
تشير الأبحاث المختلفة التي تناولت تجربة المشاركة في المجتمع لمستخدمي الإنترنت العرب (אבו־קשק ומנדלס, 2020; אבו־קשק וסולומוביץ', 2024) إلى وجود مشاعر صعبة: قال الشباب العرب والبدو إن العديد من زملائهم اليهود ينجحون في التعلّم عن بعد، التقدّم لوظائف مختلفة أو الحصول على معلومات حكومية بسهولة نوعًا ما، في حين يتعين عليهم بذل جهود مضاعفة لتحقيق الأمور ذاتها، وتحت ظروف أقل جودة. هم على دراية بأن هذا الوضع ناتج عن عدم المساواة في المعاملة تجاههم، وفي حالات كثيرة هم يشعرون بأنهم "مواطنون من الدرجة الثانية".
تعكس هذه التجربة فجوة رقمية من المستوى الثالث الذي يتناول قدرة الفرد على استخدام البيئة الرقمية لتحسين جودة حياته ومكانته الاجتماعية-الاقتصادية، وقدرته على التعبير في مجتمع ديمقراطي، التعبير عن رغباته واحتياجاته الفردية وأن تسمع الحكومة والمجتمع صوته (Couldry, 2010; Tacchi, 2012). فشبكة الإنترنت اليوم بمثابة منصّة مركزية للخطاب العام، التأثير السياسي والتنظيم المدني (Ivie, 2024). تعرّض الإتاحة المحدودة للإنترنت والقدرات الرقمية المحدودة الجمهور العربي لخطر الإقصاء والإسكات. وهذا الأمر يضر بالمستقبل المشترك للمجتمع الإسرائيلي بأكمله، والذي يجب أن يسعى جاهدًا نحو تحقيق التمثيل المناسب لجميع أجزائه ومشاركتهم في خلق مصلحة مشتركة.
لهذه التأثيرات أيضًا عواقب على المستوى الوطني. الفوارق الواردة في التقرير تحدّ من قدرة المواطنين العرب على الاندماج الأمثل في سوق العمل وأجهزة التعليم العالي والمشاركة بشكل متساوٍ كمواطنين في مجتمع ديمقراطي، وبالتالي هم يؤثرون بشكل كبير على اقتصاد الدولة. الفوارق التي يظهرها التقرير تعني أنه بدلاً من أن يتطور المجتمع العربي ويصبح مجتمعًا يساهم بشكل كبير ومتساوي في المجتمع الإسرائيلي عامّة، وفي الاقتصاد الإسرائيلي خاصّة، في سوق العمل وأجهزة التعليم والتعليم الأكاديمي، سيظلّ متأخرًا وبحاجة إلى الدعم والمساعدة.
وكما ذكرنا سابقًا، فإن آثار الفجوة الرقمية على المواطنين العرب في إسرائيل متعددة الأوجه، وتؤثر على الفرص التعليمية، التنمية الاقتصادية والنهوض الاجتماعي. مواجهة هذه التحديات تتطلب التعامل مع جوانب عدّة، من ضمنها تحسين البُنى التحتية، تعزيز المهارات الرقمية، الحرص على إتاحة وملاءَمة الخدمات الرقمية (الحكومية وغيرها) للمجتمع العربي-الإسرائيلي.
يجب على أصحاب القرارات، الوزارات الحكومية وهيئات المجتمع المدني في إسرائيل إعطاء الأولوية للاستثمارات في البُنى التحتية، التعليم والخدمات الرقمية المناسبة لسد هذه الفجوات. وبدون ممارسات واسعة النطاق من جانب الدولة والجهات الأخرى، من المتوقع أن يتسع نطاق عدم المساواة بين السكان في كافة المجالات – التعليم، التوظيف، الاقتصاد والمجتمع – وأن تتسع معه التكاليف الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية والاجتماعية المترتبة على الدولة والمجتمع الإسرائيلي.
يتطلب تقليص الفجوات الرقمية بين السكان العرب واليهود في إسرائيل تدخلًا حكوميًا شموليًا، يشمل الاستثمار في ثلاثة مجالات رئيسية – البنى التحتية، المهارات الرقمية، والتعامل مع التهديدات السيبرانية.
في مجال البُنى التحتية:
- يجب تسريع نشر البنى التحتية للألياف الضوئية في المجتمعات العربية، مع خلق حوافز تنظيمية لشركات الاتصالات. إلى جانب ذلك، يجب العمل على ضمان مقارنة البنى التحتية الخلوية في البلدات العربية بتلك الموجودة في البلدات اليهودية، من خلال الإشراف الدقيق وتطبيق معايير موحدة.
- يجب تخصيص موارد معدّة لتقليص الفجوة الرقمية في النقب، مع توسيع نطاق نشر الألياف الضوئية والهوائيات الخلوية في المدن والقرى البدوية. إضافةً لذلك، ينبغي العمل لمقارنة جودة تصفح الهاتف المحمول المقدمة في منطقة النقب مع بقية أنحاء البلاد (خاصة في البلدات والمناطق التي تسمح فيها البُنى التحتية بالتصفح باستخدام تقنية 3G فقط).
في مجال المهارات الرقمية:
- يجب تطوير برامج تعليمية ودورات إرشادية في مجال المهارات الرقمية، مع التركيز على فئات معينة من السكان مثل البالغين، النساء وسكان النقب. على هذه البرامج إكساب المهارات العملية للتواجد بين الخدمات المحوسبة العديدة واستخدامها بشكل مدروس.
- يجب دمج إكساب المهارات الرقمية في جهاز التعليم العربي منذ سن مبكرة، كجزء من المناهج الدراسية العادية ومن خلال برامج الإثراء.
- يجب علينا أن نعمل بجد لملاءَمة المواقع الحكومية والهيئات العامة لطابع المجتمع العربي. ولهذا الغرض، ينبغي إتاحة ثقافية ولغوية لجميع المواقع الإلكترونية والخدمات الرقمية في المكاتب الحكومية والسلطات المحلية.
- ويجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لرقمنة خدمات الحكومة والسلطات المحلية بحيث يكون الحيّز الرقمي متاحًا للمجتمع العربي.
في مجال التهديدات السيبرانية:
- يجب إقامة منظومة إرشاد وتوعية موجّهة للمجتمع العربي، والتي ستوفر المعرفة والأدوات اللازمة للتعامل مع التهديدات السيبرانية الشائعة مثل التصيّد الإلكتروني، الفيروسات والاحتيال عبر الإنترنت. إضافةً لذلك، يجب حثّ وتسريع تطوير تقنيات أمنية مترجمة إلى اللغة العربية ومُلاءَمة ثقافيًا مع احتياجات هذه الفئة السكانية.
- ينبغي توسيع التعاون بين الهيئات السيبرانية الوطنية، مؤسسات إنفاذ القانون والمجتمع المدني العربي في الأنشطة التعليمية ورفع الوعي بمبادئ الأمان على الإنترنت.